(( لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )) الأنبياء : 87
قال أنس ( رضى الله عنه ) : إن يونس النبي عليه الصلاة و السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات و هو في بطن الحوت ، فقال اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فأقبلت الدعوة تحن بالعرش ، قالت الملائكة : يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة فقال الله تعالى : أما تعرفون ذلك قالوا : يا رب و من هو ؟ قال ( عز و جل ) : هذا عبدي يونس قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يُرفع له عمل متقبل ، و دعوة مستجابة .. قالوا يا رب أو لا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه في البلاء ، قال : بلى فأمر الحوت فطرحه بالعراء
مختصر تفسير ابن كثير (18/4_19)
~~~~~~~~~~~~
( لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) الأنبياء : 87
قال صلى الله عليه و سلم : (( أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أُعطى أجر شهيد ، و إن برأ برأ و قد غُفر له جميع ذنوبه ))
أخرجه الحاكم ( 506/1 ) و صححه و وافقه الذهبي .
~~~~~~
قال تعالى : (( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ _ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) الصافات 143، 144
أى لولا أنه كان كثير الصلاة و العبادة و التسبيح _ قبل أن يلتقمه الحوت _ لصار بطن الحوت له قبراً إلى يوم القيامة .
و هذا دليل على أن العمل الصالح الذي يفعله العبد في وقت الرخاء ينفعه في وقت الشدة .
* قال القرطبي _ رحمه الله _ في قوله تعالى : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ) الآية : و من هذا المعنى قوله صلى الله عليه و سلم : ( من استطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل )) رواه الضياء عن الزبير و صححه الألباني في صحيح الجامع ( 6018)
فيجتهد العبد ، و يحرص على خصلة من صالح عمله يخلص فيها بينه و بين ربه و يدخرها ليوم فاقته و فقره و يخبؤها بجهده و يسترها عن خلقه ، يصل إليه نفعها أحوج ما كان إليه ففي الصحيحين عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنه قال :
(( بينما ثلاثة نفر _ في رواية :ممن قبلكم _ يتماشون أخذهم المطر فآووا إلى غار في جبل فانحطت على فم الغار صخرة فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم .
_فقام كل واحد يسأل الله ( عز و جل ) بصالح عمله ليفرج عنهم تلك الصخرة فكانت الإجابة قريبة و فرج الله عن هم تلك الصخرة و خرجوا سالمين .
*و قال السعدي : إن العبد إذا كانت له مقدمة صالحة مع ربه ، و قد تعرف إلى ربه في حال الرخاء ، أن الله يشكر له ذلك و يعرفه في حال الشدة بكشفها بالكلية أو تخفيفها ، و لهذا قال في قصة يونس : (( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ _ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) الصافات 143، 144 .
و قال الضحاك بن قيس : اذكروا الله في الرخاء يذ كركم في الشدة ، إن يونس عليه الصلاة و السلام كان يذكر الله تعالى ، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى : (( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ _ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) الصافات 143، 144 .
و إن فرعون كان طاغياً ناسياً لذكر الله ، فلما أدركه الغرق قال : آمنت ، فقال الله تعالى (( آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )) يونس : 91
و قال رجل لأبى الدرداء أوصني فقال : اذكر الله في السراء يذكرك الله عز و جل في الضراء ، و عنه أنه قال : ادع الله في يوم سرائك لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك .
* و كذلك ننجي المؤمنين *
قال الشنقيطي رحمه الله : و قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (( و كذلك نُنجي المؤمنين ) الأنبياء 88
يدل على أنه ما من مؤمن يصيبه الكرب و الغم فيبتهل إلى الله داعياً بإخلاص ، إلا نجاه الله من ذلك الغم ، و لا سيما إذا دعا بدعاء يونس هذا و قد جاء في حديث مرفوع عن سعد بن اي وقاص رضى الله عنه : أن النبى صلى الله عليه و سلم قال في دعاء يونس المذكور (( دعوة ذي النون إذ دعا بها و هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له )) .
و الأية الكريمة شاهدة لهذا الحديث شهادة قوية كما ترى ، لأنه لما ذكر أنه أنجى يونس شبه بذلك إنجاء المؤمنين و قوله : ( نُنجي المؤمنين ) صيغة عامة في كل مؤمن .
الشيخ محمود المصري / كتاب قصص الأنبياء