العشائر العربية في العراق عبر التاريخ
لا يعرف بالضبط تاريخ نزوح العشائر الى العراق وانما هو قديم جدا ، ومنهم من يمت الى القحطانية واخر العدنانية . ويقال ان انهدام سد مأرب سنة 115 ق.م في بلاد اليمن قد ادى الى نزوح القبائل القحطانية الى انحاء الجزيرة ومنها الى العراق من ازمان بعيدة عريقة في القدم .
وعندما صالح خالد ن الوليد اهل الانبار رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها ويظهر مما تقدم ان عرب العراق من جزيرة العرب مالوا الى الارياف وكانت السلطة بايديهم تارة وكانوا في ضعف تارة اخرى. وبصورة عامة خضعت القبائل العربية الى النفوذ الفارسي كما خضعت القبائل العربية في بلاد الشام الى نفوذ الروم .وقد ادى هذا الى صراع مستمر بين عرب العراق (المناذرة) وعرب الشام (الغساسنة) لانهما اصبحتا دولتي حدود في تلك الفترة .
وقد انتفض المناذرة ضد الفرس وتقابلوا معهم في معركة ذي قار وانتصروا فيها ، وهذه اول معركة ينتصر فيها العرب على العجم وبها نصروا قبيل الهجرة الشريفة .
وكانت الجزيرة العربية دوما الينبوع الصافي الذي يمد العراق بهجرات عربية متتالية لاسباب كثيرة منها المحل والغلاء الذي يحدث احيانا ومنها العداء القبلى والتدافع على السيطرة والسلطة ، وقد يكون من الاسباب أيضا ان فروع القبائل استوطنت الارياف وارادت أن تقوى وتعتز بأقاربها فحسنت اليها الامر والنزوع الى العراق ولا تمضى فترة طويلة الا وقد استكملت القبيلة رجالها والاهم من كل هذا هو عدم وجود حدود طبيعية فاصلة بين العراق والجزيرة العربية تمنع الانتقال اليه كذلك لم يحدث منذ سقوط الدولة العباسية وقيام الدويلات التي اعقبتها ولا في زمن الدولة العثمانية ان مانعت او عرقلت انتقال القبائل العربية الى العراق .
ويمكن القول ان الفتح الاسلامي للعراق كان اكبر عامل لفتح العراق على مصراعيه لتدفق القبائل العربية من مختلف المناطق والاستيطان فيه . فقد تطلب قيام الحكومة الاسلامية بناء المعسكرات والمدن لسكن الجيش والمسؤولين من الحكام فاستقرت القبائل في هذه الربوع الخصبة وتمتعت بخيرات أرض السواد وسهول وادي الرافدين .
ولم يقتصر سكن القبائل العربية على العراق فحسب بل تعداه الى ايران بعد ان فتحها العرب المسلمون وهكذا كان لقيام الدولة الاسلامية أثر كبير جدا في توسيع نطاق الهجرة وتيسيرها سواء اكان الغرض منها في خدمة جيش المسلمين والجهاد في سبيل الله أو للقيام بأعمال ادارية او سياسية او لاي غرض أخر .
ولم يمض وقت طويل على قيام الدولة الاسلامية الا وأصبح العرب في العراق قوة هائلة اعتمد عليها الخليفة الرابع على بن ابي طالب رضي الله عنه فنقل اليها عاصمة ملكه في الكوفة ، وبعد انتقال الخلافة الى بلاد الشام في العصر الاموي كان العراق مركزا لتقويض اركان الدولة الاموية ، وفلا" تمكن العباسيون من ذلك وأصبح العراق اكبر دولة اسلامية في المشرق هي الدولة العباسية التي حكمت طيلة خمسة قرون (132ـ 656هـ) (749 ـ 1258م) وقد تجلى في هذه الحقبة الطويلة صراع عنيف بين القوى العربية والاعجمية من فارسية وتركية ورومية ، وكان للقوى العربية قصب السبق على الاخرين بفضل القرآن الكريم والدين الاسلامي الحنيف ، حتى في حالة فشل العرب سياسياً وعسكرياً وخضوعهم لاقوام اخرى ، فأن الطابع الديني كان يميزهم عن الاخرين في اللغة والثقافة . وهكذا انصهرت أقوام وجماعات داخل المجتمع العربي في العراق بفضل الاسلام .
وقد استوطن بعض العشائر في المدن وامتهنوا التجارة وعملوا في السياسة والقسم الاخر سكن الارياف والقرى وامتهن الزراعة بينما بقيت مجموعات كبيرة من القبائل العربية تعيش عيشة البداوة وتفضل حياة التنقل . ويلاحظ أن بعض افخاذ هذه القبائل يحيا بصورة مزدوجة فهو يزرع الارض ويسكن القرى ولكنه يعود الى البداوة والتنقل أثر أنتهاء ارتباطه في الارض . وقد احتفظ البدو بعاداتهم وتقاليدهم سواء في الافراح والزواج ، والغزو ، والحرب والصلح .
ولا أعدو الحقيقة أن أقول أن العشائر العربية بالعراق قد نقلت معها مشاكلها التي كانت في البادية قبل الهجرة مضافاً اليها مشاكل جديدة خلقتها الظروف غير القبيلة التي يعيشها سكان العراق بوجود الدولة .
والحدود سهلة ميسرة بين العراق وجزيرة العرب ، فكان تنقل القبائل منه واليه شيء طبيعي .
وفي فترة الانحطاط التي تلت سقوط الدولة العباسية وظهور الدويلات الفارسية والتركمانية والمغولية فقد فشلت هذه في فرض سيطرتها على القبائل وكثيرا ماكانت تخطب ودها لتأمن شر غاراتها وشغبها .
ومن أوائل القبائل العربية التي استوطنت في العراق ولا زالت فيه للان هي :
قبيلة طي: القحطانية وقد سكنت ولاية الموصل في منطقة تدعى الجزيرة ممتدة بين العراق وسوريا ولازالت هذه القبيلة تقطن المنطقة وقسم منها في العراق والاخر يقطن في سوريا .
قبيلة شمر: وهي تنقسم الى فرعين رئيسين ، هما شمر الطوقة وشمر الجربة ، وقد نزح آل جربة الى العراق أثر سيطرة آل سعود على نجد ، وتسكن هذه القبيلة في المنطقة الواقعة شرق نهر دجلة بين ولايتي بغداد والموصل .
قبائل عنزة: وهي قبائل العرب الكبرى العدنانية . منتشرة في العراق في ولاية بغداد غرب نهر الفرات الى الجنوب ، وتوجد في سوريا ونجد والحجاز.
وهذه القبائل يغلب عليها طابع البداوة ، وللعرف القبلى أهمية كبيرة في تنظيم حياتهم في مختلف المناحي ، فبالنسبة للزواج مثلا فالبدوى يهتم بنسب الام ويقول (العرق دساس) و (ثلثا الولد لخالة) ويكثرون من الزوجات لتقوى العصية ولمقاومة الاعداء ، ويهتمون بالمهر والحب أيضاً . أما الغزو فأصله تابع للاخذ بالثأر ويعتبر من موارد رزقه العظيمة ، وأكثر آدابهم تتعلق بذكريات الغزو ، والبدو كذلك يهتمون ويفرحون بالاعياد والاعراس والصيد والقنص ، أما أموالهم فلا تعدو الخيل والابل .
أما عشائر العراق من أهل الريف والتي استوطن أفرادها وامتهنوا بالزراعة ، بينما حافظ القسم الاخر على بداواته ، وبقيت العلاقة قائمة بينهم ، فأشهرهم قبائل زبيد وهي قحطانية وقد وردت العراق في أوائل الفتح الاسلامي ولا زالت بعض أصولها في جزيرة العرب ومنهم البو سلطان ، وتسكن العراق في محافظة بابل في العوادل والبزل والظلمية والصافي والخميسية .
العشائر الطائية ، وهي قحطانية أيضاً ، وكان لها أمارة في العراق قبل الاسلام في بني هناء . ومنهم أياس بن أبي قبيصة أمير العرب في العراق ، ولاه كسرى ابرويز بعد أن قتل النعمان بن المنذر وأنزل طيئاً في الحيرة . وهذه العشائر تسكن العراق في المنطقة المحصورة بين دجلة والفرات جنوبي بغداد الى الكوت على نهر دجلة ، ومن أفخاذ هذه العشيرة التي كونت عشائر أخرى باسماء جديدة هي عشائر بني لام والخزاعل .
ومن العشائر العدنانية ، الظفير وهي من اشهر قبائل نجد والعراق والقسم الاكبر يتجول في الجانب الغربي من الفرات بين الزبير وأنحاء السماوة . والجبور وهي قبائل كثيرة العدد ، تسكن لواء بعقوبة وبغداد في اليوسفية ولواء الحلة وانحاء الموصل وفي الزاب والخابور .
اللهيب وهم من الازد ويسكنون في الموصل وبغداد واربيل .
عشائر المنتفق (المنتفك) وتتكون من تجمع بنو مالك والعليات وآل حسن وآل ابراهيم وحجام وبنو حطيط وبنو أسد وغيرهم كثير يسكنون في لواء المنتفك من ولاية البصرة .
ربيعة وهي عدنانية ، وأشهر عشائرهم المياح ، السراى (السراج)، الكريش (قريش) نسبة الى أبيهم ، والمقاصيص وغيرهم كثير يسكنون في المنطقة المحصورة بين دجلة والفرات في وسط العراق الى الجنوب .
وهنالك الكثير من العشائر العراقية ، مثل الجحيش وتسكن في لواء الموصل ، والبومتيوت يسكنون في أنحاء سنجار .
هذا عدد ضئيل من العشائر العراقية أوردته على سبيل المثال ومن أراد للتفصيل فعليه بكتاب العشائر العراقية للاستاذ عباس العزاوي .
المصدر: كتاب تطور العراق تحت حكم الأتحادين للكاتب فيصل محمد الأرحيم /1969
مصدر الموضوع العشائر العربية في العراق عبر التاريخ - منتديات الهندسة نت