غيرت مجرى حياتي

كل يوم تشرق الشمس تفتح القلوب التي اغلقت ابوابها , لكي ترتشف رحيق القلوب الذي
بات مفقودا و تحاكي آلام الغد المتصاعدة .

لقد كنت هناك في ذاك القارب , لقد
رأيت ذاك الضباب الحالك الذي يشعرك بالبرد و الضياع , فعلا في تلك اللظة بالذات
شعرت بالضياع , كنت أموج و أجول البحار مع بعض الأصدقاء آملين وجود أي شيىء أو أي
بصيص للأمل , كم كرهت هذه الكلمة " الأمل" , كنت دائما أنصحهم بالتحلي بالصبر و
الأمل , و هها أنا ذا اكتب مذكراتي بعد أربعين سنة من تلك الحادثة .

كنت انا
محمد و أصدقائي سليم و عرفان في رحلة للصيد , يوم العطلة المدرسية , كان لدى والد
سليم قارب شراعي جميل كتلك القوارب التي تبدوا و كأنها تريد سحبك إلى مياه الأحلام
الصافية , تلك الأحلام التي تراها في الأفلام و الحكايات , تعلم أنها خيالية و لكنك
تتمنى لو أنها حقيقية , خلال ذهابنا على ذاك القارب ضحكنا و لعبنا , و كانت السعادة
في أقصى درجاتها , تلك السعادة التي تشعرك بأن أمرا خطيرا سيحدث قريبا, لا أقول أنه
تطير بل هو شييء يشعر به كل إنسان , و فعلا في تلك اللحظة حدث الذي حدث , فجأة تغير
لون السماء الزرقاء الصافي , و تلبذت بالغيوم السوداء , تنبأنا بحلول عاصفة قوية و
هذا شيء اعتيادي ؛ لأننا نقطن في منطقة مدارية معروفة بتغير طقسها المفاجئ , بادرنا
بالإسراع و الإقتراب من الميناء , لكن الوقت لم يسعفنا , كنا في خوف شديد ؛ لأن
الرياح باتت تبدوا و كأنها تضرب قاربنا بعصا كبيرة محاولة إغراقه , كان سليم و
عرفان يقفان على ظهر القارب , يحاولان الحيلولة انقطاع حبال الشراع , و كنت جالسا
خائفا أرتعد من البرد ومن منظر الأمواج التي تبدوا كالجبال , و كذلك خائفا من الغرق
؛ لأني الوحيد بين زملائي الذي لا يجيد السباحة , فجأة انزلقت قدما عرفان عن القارب
و سقط داخل الأمواج , كان يصرخ طالبا النجدة , و لم يكن بوسعي فعل أي شيء ؛ لأني لا
أجيد السباحة , بت أقول لسليم لا يزال هناك امل في نجاته إن اولت النزول و إنقاذه ,
و يبدوا أني تناسيت نظرة الخوف في عينيه من تلك الأمواج , و مع حديثي تغيرت نضرته
فجأة و قفز إلى البحر محاولا جاهدا إخراجه , لكنه في النهاية لم يفلح .

ظل
سليم يصرخ و يطلب النجدة بعد غرق عرفان , و أنا عالق داخل القارب أعاني من خوفي من
السباحة , و أراهما يفقدان انفاسهما شيئا فشيئا .

شعرت حينها و كأن الجو بات
مليئا بالضباب و الظلمة الحالكة , رأيتهما هناك يغرقان أمام عيني , و لم استطع فعل
أي شيء , فقط اكتفيت بالنظر و الخوف .

بعد لحظات قليلة توقفت العاصفة و عدت
إلى الميناء , و جدت كل الأهالي تنتظر قدومنا بفزع أمام الميناء , خرجت وثيابي
المبللة و جسمي الذي لم يسكن من الإرتعاش , و الحزن و الخوف يملآن عيني , التقطاني
والاي و أخذاني في أحضانهما , لكني كنت أفكر فقط في موقف والدا سليم و عرفان , كانا
ينضران داخل القارب و لم يجدا أحدا ! توجهت إلي اعينهم المملوءة بالأسئلة , تجمدت
مكاني و كان والدي ممسكا و يسأل نفس السؤال .. ما الذي حدث ؟ .

لم استطع قول
أي شيء حينها سوى كلمة واحدة " لقد غرقوا "... لم أسمع بعدها سوى صيحات البكاء , و
كان ذلك آخر شيء اسمعه قبل أن أغيب عن الوعي .

بعدها بحوالي أسبوعين من
الحادثة , ذهبت إلى المدرسة , فنضرت إلى المكان الذي كانا يجلسان فيه , فلم أجدهما
.. ! كرهت بعدها المدرسة و زملائي , و كرهت كل شيء يذكرني بتلك الحادثة التي غيرت
مجرى حياتي بالكامل , و ها أنا الآن اكتب اكثر شيء حاولت نسيانه في مذكرتي , بعد
اربعين عاما ظللت فيهم كالضائع بعد فقداني لأعز صديقين , فقدتهما فقط لأني لم أواجه
مخاوفي , مع أني إن ذهبت و أنقذتهم لحظتها , لا أظن أني كنت سأجلس الآن مكتبي , و
أكتب هذه القصة المؤلمة .

و الآن صار لدي عائلة و أصبح لدي ولدان اسميتهما
عرفان و سليم , لا أعلم و لكن يبدوا أني طيلة ذاك الوقت كنت أحاول العيش مع
الذكريات ؛ لأني أذكرهما كلما إلى ولداي , تعلمت من ذاك الحادث شيئا استفدت منه , و
جعلته عبرة أعلمها لأبنائي و طلابي في المدرسة ....

" لا تتذكر الماضي فإنه
ماض , ولا تتأمل في الغد لكي لا ينسيك الواقع , و توقع دائما أسوء الأشياء ؛ لكي لا
تكون الصدمة قوية على عقلك , ولا تكره كلمة الأمل ؛ لأن لولاها ما مات الأعزاء و
علموني درس عمري , أنه لابد لضوء الشمس أن يشرق من جديد , حتى و إن طالت ظلمة الليل
الحزين " .

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

يعطيج العافيه ريمو

شكرا لمرورج

عدد المساهمات : 140 تاريخ التسجيل : 18/02/2013

يعطيج العافيه حبيبتي

شكرا حبيبتي