███▓▒░اضطرابات الشخصية والطبع░▒▓███

عدد المساهمات : 3483 تاريخ التسجيل : 07/06/2012

اضطرابات الشخصية

يشترك عديد من الناس في بعض السمات أو الصفات العامة. فهم إما
مرحون أو ودودين أو خجولين أو اجتماعيين أو منظمين أو
ملتزمين…الخ. ومع ذلك يمتلك كل إنسان خصائص وصفات تميزه عن غيره
في أسلوب تفكيره وتصرفه وإحساسه وإدراكه وردود فعله. إن التركيبة
التي تتجمع أو تنتظم فيها هذه الصفات أو السمات تكوّن تشكيلة
فريدة من الانفعالات والأفكار و التصرفات، يطلق عليها في علم
النفس تسمية الشخصية. فالشخصية في النهاية كمفهوم ليست أكثر من
تلك التشكيلة أو التوليفة أو التركيبة الفريدة من المشاعر
والأفكار والتصرفات التي لا يشترك فيها أي من الأفراد مع غيره.
وعلى الرغم من أن كل فرد قد يشترك مع غيره كما أسلفنا بصفات
عامة أو ببعض السمات، إلا أن الطريقة التي تتراكب فيها هذه
السمات مع بعضها البعض مكونة مع بعضها تشكيلة constellation
لا يمكن أن تتكرر بين الأشخاص. فكما لكل شخص بصمة إبهام تميزه
عن غيره ولا يشترك فيها مع غيره من الأشخاص، فإن الشخصية هي
البصمة النفسية التي لا يمكن أن يشترك فيها أي شخص مع الآخرين،
مهما بلغت درجة التشابه الظاهري.

تتيح الشخصية للإنسان في الحالة السوية النمو والنشاط والتلاؤم
مع الحياة، ولكنها قد تنحرف لدى البعض فتصبح جامدة ومتحجرة.
وبدلاً من أن تفتح لهم إمكانات الاستجابة للمتطلبات الحياتية
بمرونة، تسبب صفات شخصيتهم لهم أو أنماط شخصيتهم حياة مملوءة
بالتعاسة والشقاء وتعيقهم عن مواجهة متطلبات الحياة ومتغيراتها.
وبدلاً من تشكل أنماط من الشخصية منمية للتكيف والتوافق تتطور
لديهم أنماطاً مضطربة من الشخصية.

وبما أن اضطرابات الشخصية يمكن أن تشكل انحرافاً مرضياً للشخصية
السوية لا بد بداية من التعرض لجوهر الشخصية من أجل فهم أفضل
لمنشأ اضطراباتها.

المزاج والطبع
يتفق معظم المعالجين النفسيين على أنه ينبغي التفريق بين عنصرين فيما يتعلق بالشخصية: الأول هو المزاج Temperamentوالثاني هو الطبع Character[1] .
1- المزاج Temperament :
عبارة عن استعداد وراثي وبيولوجي ومولود عند كل إنسان. وهكذا
فبعض الناس هادئون بطبعهم (مزاجهم بالمعنى أعلاه) أو متزنون.
وبعضهم الآخر يمتلك ميلاً طبيعياً نحو النشاط والحيوية ويمتلكون
طاقة عمل خاصة. فالمزاج بهذا المعنى مظهر "مبرمج" وراثياً بشكل
مسبق من مظاهر الشخصية.
2- الطبع (التطبع) Character :
عبارة عن خاصية (صفة) أو مظهر من مظاهر الشخصية يتم "تعلمه"
مع الزمن (التنشئة الاجتماعية). إنه تشكيلة نامية من نمط السلوك
والتفكير والشعور، يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها الإنسان، أي
بالوالدين أو الأهل أو العشيرة وأحداث الحياة والثقافة والعالم
عموماً.

ولا يمكن النظر لكلا المظهرين بصورة مستقلة ذلك أنهما يتبادلان
التأثير مع بعضهما بعضاً. كلاهما يتأثر بالمحيط الذي يوجد فيه
الفرد. حيث يمكن على سبيل المثال لرضيع عصبي أو متقلب بطبيعته
أن يحقق درجة ما من الاتزان إذا نما في محيط أسري متسامح
وهادئ. والطفل نفسه يمكن أن يصبح أكثر عصبية وإثارة إذا نمى في
بنية أسرية متوترة ومرهقة وتسودها المشكلات.

لقد افترض المعالجون النفسيون ولسنوات طويلة أن الشخصية تنطبع أو
تتجلى في الطفولة وتظل ثابتة بعد ذلك. غير أن المعارف الحديثة
تناقض هذه الفرضية. ويرى المعالجون النفسيون اليوم أن العلاقة
المتبادلة بين المزاج والطبع علاقة مستمرة وأن نضج الشخصية عبارة
عن عملية نمو تستمر مدى الحياة، إلا إذا تم كبح هذا النمو من
خلال اضطرابات الشخصية أو تم تشويهه.

ما هي اضطرابات الشخصية كيف تنشأ؟
يتم تشخيص اضطراب في الشخصية عند توفر النقاط التالية:
1- عندما يكون النمط الدائم من التفكير والسلوك والإدراك والمشاعر غير مرن وقليل التلاؤم.
2- وخصوصاً عندما يلحق هذا النمط الضرر في كفاءة الوظائف المهنية منها أم الاجتماعية.
3- أو عندما يقود إلى شكاوى (أوجاع) وخيمة.

ويعد التمييز بين نمط الشخصية واضطراب الشخصية مسألة درجة البروز
أو التجلي للخصائص أو السمات. إذ يمكن لأنماط معينة من الشخصية
أن تمتلك قواسم مشتركة مع اضطرابات الشخصية، وإن كانت أنماط
الشخصية أقل تطرفاً. مثال ذلك يمكن لشخص يحب الوحدة ويستمتع
بسماع الموسيقى أو بالقراءة ويفضل وجود صديق واحد على مجموعة
أصدقاء أن يكون شخصاً "انعزالياً"، ولكن ليس بالضرورة أن يعاني[2]
من اضطراب في الشخصية. في حين أنه يمكن لشخص آخر لا يمتلك
أصدقاء و يتجنب بشكل مقصود التواصل مع أقاربه و لايهتم بالآخرين
وليس له أي اهتمام بشيء ما، أي يعيش حياة انعزالية مطلقة، أن
يوجد لديه اضطراب شخصية فصامانية Schizoid، أي ضرب من ضروب أنماط الشخصية "الانعزالية" المتطرفة وغير المتكيفة.

كيف ينمو اضطراب الشخصية
يبدأ
الرضيع بعد الولادة مباشرة بعملية التلاؤم مع البيئة المحيطة.
ومن أجل أن يستمر الطفل بالبقاء في محيطه الخاص تتوفر لدى كل
طفل على أساس استعداداته الوراثية و مزاجه وطبعه النامي
"إستراتيجيته" الخاصة جداً في المواجهة. و في غالبية الحالات ينمي
الأطفال الأصحاء الذين يمتلكون أسرة سوية و متوافقة بصورة جيدة
و محيطاً أسرياً قليل الإرهاقات نمطاً مرناً وقوياً من الشخصية
يتيح له توكيد نفسه في العالم.

والأطفال الذين يمتلكون والدين مضطربين نفسياً أو ينمون في محيط
مضطرب ومرْهَق، فإنهم يفعلون ما بوسعهم من أجل البقاء. فهم
يحاولون عادة التلاؤم مع هذه المتطلبات والتوقعات غير الواقعية
التي وجدوا أنفسهم مواجهين بها بمقدار ما يستطيعون. غير أن
التلاؤم مع بيئة صعبة أن يسبب في بعض الأحيان شخصية مضطربة، ذات
عتاد سيئ يعيق تلاؤمها الاجتماعي والمهني مع العالم الخارجي
فيما بعد، ويصعب عليها توكيد ذاتها.

وبما أن غالبية الأطفال -حتى أولئك الذين ينمون ضمن ظروف خارجية
سيئة جداً- ينمون شخصية طبيعية و بعضهم الآخر ينمي شخصية
مضطربة، مع العلم أنه قد نمى وترعرع ضمن ظروف أسرية أو بيئية
ملائمة –ظاهرياً على الأقل- يعتقد معظم العلماء بوجود استعداد
بيولوجي لدى بعض الناس الذين يوجد لديهم اضطرابات في الشخصية،
يجعل عليهم من الصعب التلاؤم مع إرهاقات معينة.

كيف تؤثر اضطرابات الشخصية على الحياة

يتم عادة تقويم صلاحية (استواء) الشخصية أو اضطرابها من خلال
مجالات ستة أساسية هي الذات والعمل والعلاقات البين إنسانية
والمشاعر والواقع وضبط الدوافع. و لكل إنسان في كل مجال من هذه
المجالات أسلوباً خاصاً في التصرف والتفكير والإحساس يعكس نمط
شخصيته أو اضطرابها.
وهذه المجالات هي:
1- مجال الذات:
يمكن أن تؤثر اضطرابات الشخصية على الأسلوب الذي ينظر فيه
الإنسان لذاته ويفكر فيه حول نفسه و مشاعره التي يحملها حول
نفسه.

مثال ذلك: يبالغ الأشخاص الذين يوجد لديهم اضطراب شخصية من
النوع النرجسي بكفاءتهم. ويتوقعون أن يحظوا بالاهتمام باعتبارهم
شيئاً مميزاً، على الرغم من أنهم لم يفعلوا شيئاً مميزاً بالأصل
أو حتى جيداً يستحق هذا الاهتمام. وعلى العكس من ذلك تعوز
الأشخاص الذين يمتلكون نمطاً تعلقياً من الشخصية الثقة بالنفس،
إنهم يتركون الآخرين يقررون عنهم ويكبحون قدراتهم ومواهبهم. وليس
من المستغرب أن يصف الآخرون الأشخاص الذين يوجد لديهم هذا النوع
من اضطرابات الشخصية "بالأغبياء" أو "غير الموهوبين".
2- مجال العمل:
يمكن لاضطرابات الشخصية أن تظهر من خلال الكيفية التي يؤدي
فيها الشخص عمله، والتي يتخذ بها قراراته و يتولى القيادة وينفذ
التعليمات ويخطط ويستجيب للنقد ويتبع النظم و يعمل بها مع
الآخرين.

مثال ذلك: يغلب أن يتردد الأشخاص الذين يوجد لديهم اضطرابات في
الشخصية من النوع العدواني- الكامن. إنهم يؤجلون الواجبات و
يفوتون باستمرار المهلة المحددة. إنهم يعيقون الآخرين في تأدية
عملهم من خلال عدم إنجاز نصيبهم من العمل المسؤولون عنه.

يوصف الشخص الذي يوجد لديه اضطراب في الشخصية من النوع القهري
في اللهجة العامية الدارجة "حمار عمل" وفي اللغة الإنجليزية "حصان
عمل workaholic "، حيث يولي
هؤلاء الأشخاص مهنتهم و إنتاجيتهم الكثير من الوقت إلى درجة لا
يعود فيها للفراغ والأصدقاء أي مكان في حياتهم.
3- مجال العلاقات البين إنسانية:
يمكن أن تؤثر اضطرابات الشخصية على نوعية العلاقة بالأشخاص
الآخرين، إذ يمكنها أن تؤذي الصداقات و تمنع المعني من إدارة
حياة أسرية أو جنسية أو علاقات حب منتجة وصحية .
مثال ذلك: يقوم الأشخاص الذين يوجد لديهم اضطرابات شخصية فصامية[3]
بأعمال لا يمكن تنفيذها إلا لوحدهم. فهم لا يسعون من أجل
إقامة علاقات حميمة بالأصدقاء والأقارب ولا يسرون لذلك. بالمقابل
فإن الأشخاص الذين يوجد لديهم اضطرابات شخصية من النوع الحدودي Borderline
يقيمون علاقات بين إنسانية مكثفة ولكنها غير مستقرة. إنهم يكرهون
الوحدة ويسعون بيأس نحو تجنب الهجر الحقيقي أو المتخيل.
4- مجال المشاعر:
يشمل هذا المجال من الوظائف المزاج ومشاعر الناس كالغضب والخوف
والسعادة والحزن والقلق. واضطرابات الشخصية التي تؤثر على عالم
المشاعر يمكن أن تؤثر على الكيفية التي يتقبل فيها الشخص النقد
أو المديح وإلى أي مدى يشعر الشخص المعني بالارتباك بشكل عام.
5- مثال:
لا يميل عموماُ الأشخاص الذين يوجد لديهم اضطراب الشخصية من
النوع القهري للتعبير عن مشاعرهم. إنهم قلما يمدحون الآخرين على
أعمالهم ويتولد الانطباع عنهم لدى الآخرين بأنهم متكلفون (رسميون)
أو جامدون (باردون). بالمقابل يعبر الأشخاص الذين يوجد لديهم
اضطراب شخصية من النمط الهستيري عن انفعالات متطرفة ومفرطة وغير
مناسبة على الأغلب.
6- اختبار الواقع (إدراك الواقع):
تتعلق الكيفية التي ندرك فيها العالم الخارجي ونستجيب له بنمط
شخصيتنا. ووفقاً لذلك فإن اضطرابات الشخصية يمكن أن تشوه إدراك
العالم الخارجي، مهما كان الأمر.
مثال:
يمكن للأشخاص المصابون باضطراب شخصية من النمط الزوري
(البارانوئيدي) أن يشعروا بالتهديد لأي ملحوظة أو حدث غير مهمين.
إنهم يتوقعون من الآخرين باستمرار الإزعاج والانتقاص من قيمتهم.
بالمقابل يتصف الأشخاص الذين يوجد لديهم اضطراب شخصية من النمط
الفصامي Schizo type بقناعات خاصة. إنهم يميلون نحو التفكير "خرافي" يؤثر على سلوكهم. فهم على سبيل المثال يعتقدون دائماُ بالخرافات.
7- ضبط الدوافع:
إن مدى تكيف الإنسان مع المعايير الاجتماعية وسيطرته على نفسه
يتعلق بنمط شخصيته. يغلب للأشخاص الذين يوجد لديهم اضطرابات معينة
في الشخصية أن يتصرفوا بصورة اندفاعية مفرطة، على الرغم من أنه
من أصول التربية والمحيط أن يسيطر الإنسان على اندفاعاته.

والأشخاص الذين يوجد لديهم اضطراب في الشخصية من النمط الحدودي
يظهرون في الغالب ميلاً واضحاً للتبذير الاندفاعي والعلاقات
الجنسية غير الشرعية sexual Promiscuity
، وسوء استهلاك العقاقير ونوبات التهام للطعام يصعب السيطرة
عليها. ويغلب للأشخاص الذين يوجد لديهم اضطراب شخصية لا اجتماعية
أن يشتركوا بأعمال مخالفة للقانون، كالتخريب المتعمد للممتلكات
العامة Vandalism والسرقة
والعنف الجسدي. إنهم يورطون أنفسهم في مشكلات بسبب سلوكهم
الاندفاعي المتطرف لأنهم يميلون نحو العنف الجسدي والعراك بما في
ذلك سوء معاملة الشريك والأطفال (الغبن الجسدي للأطفال).

للدكتور سامر جميل رضوان