هو
رابع سلاطين الدولة العثمانية , وُلد سنة 761هـ وبُويع له فى ميدان الحرب
بعد استشهاد أبيه السلطان مراد الأول فى المعركة – معركة "قوصوة" -كوسوفو –
وأصبح سلطانا على ماتحته من البلاد سنة 791هـ وهو ابن ثلاثون سنة . هكذا
كانت البداية .... فى ميدان الحرب !!
كان السلطان بايزيد الأول
محبا للجهاد معزا لدين الله مذلا للكفار وأعوانهم محطما هامات المتكبرين
ومدمرا لأعداء الله وكان على قدر كبير من الشجاعة, ومن أقوى السلاطين بأساً
,جرد الدولة البيزنطية من جميع
ممتلاكاتها إلا العاصمة القسطنطينية وضرب حولها حصارا شديدا حتى كادت أن
تفتح على يديه وانتظر العالم الإسلامى والمسيحى سقوط القسطنطينية بين ساعة
وأخرى حتى حدث مالم يكن فى الحسبان كما سيأتى .
كان مجرد ذكر اسم "بايزيد" كافيا أن يوقع الرعب فى نفوس المسيحين فى أوربا عموما وأهل القسطنطينية خاصة !! , كانت ترتجف منه ملوك أوروبا رعبا !!
, وكان رحمه الله سريعا فى انقضاضه على أعدائه حتى لقبوه "يلديرم" أى "الصاعقة" وظل هذا الإسم يرعب جميع أوروبا !!
كان
عادلا حازما يحب العلماء ويقربهم ويعظم شأنهم وكان شديد التواضع مع ما جمع
الله له من الهيبة والمك والقوة , فأتى بذلك أمر نادرا ما نجده فى سلاطين
المسلمين أو خلفائهم وله فى ذلك القصة الشهيرة .
قصة لها دلالتها :-
إننا الآن فى ساحة المحكمة وتم استدعاء السلطان بايزيد الأول للإدلاء بشهادته فى أمر ما !! , وهل جاء السلطان أم اعتذر ؟؟
هاهو السلطان بايزيد الأول
يقف أمام القاضى الإمام "شمس الدين فناري" فى تواضع شديد , لكن ينظر اليه
القاضى ثم يقول " هذا الرجل لا تقبل شهادته , لأنه لا يحضر صلاة الجماعة مع
المسلمين فى المسجد ومن لا يصلى فى جماعة دون عذر شرعى ممكن له أن يكذب فى
شهادته !! "
ياالهى
!! . نزلت كلمات القاضى على الحاضرين كالصاعقة ومسك الجنود قبضات السيوف
وانتظروا اشارة واحدة من السلطان لتطير عنق القاضى فى لحظة , لكن
..........
أومأ السلطان بايزيد برأسه فى تواضع شديد ثم خرج , وفى نفس الوقت أمر ببنا مسجد ملاصق لقصره كى يحضر مع المسلمين صلاة الجماعة !!
هذا ما سجله المؤرخ التركي (عثمان نزار) في كتابه (حديقة السلاطين) المؤلف قبل مئات السنين
بالله عليكم هل سمعتم بسلطان رُفضت شهادته !! , الا يذكركم هذا السلطان بالفاروق عمر بن الخطاب !!!!
عندما جلس السلطان بايزيد الأول على كرسى السلطنة كانت الأناضول يحكمها مثل ملوك الطوائف , واستطاع بايزيد الأول أن يوحد الأناضول كلها تحت إمرته بسرعة ومهارة حربية عجيبة أذهلت المسيحين فى أوروبا
,
وبعدما توحدت الأناضول ابتدأ جهاده ضد الإمبراطورية البيزنطية وبالفعل قضى
على شوكتهم ووهن كيدهم وسلب بلادهم وضمها للدولة العثمانية , فأصبحت
القسطنطينية محاطة من كل جانب بالدولة العثمانية .
ولم يكتفى السلطان بايزيد الأول
بذلك , بل واصل جهاده حتى فتح بلغاريا والبوسنة والأفلاق – جنوب رومانيا
–ومعظم بلاد أوربا الشرقية !! وقاتل الصرب وانتصر عليهم وأرغم ملك الصرب أن
يدفع له جزية سنوية وبناء مساجد ومحاكم إسلامية !! .
موقف من مواقف العزة :-
وبلغت عزة المسلمين أيام السلطان بايزيد
مبلغا عظيما ذكرتهم بأيام الصحابة والرعيل الأول من المسلمين ومن تلك
المواقف التى بلغت فيها عزة المسلمين مبلغا عظيما , يوم ان تولى الإمبراطور
"مانويل" عرش القسطنطينية وفكر فقط فى مقاومة المسلمين !! , فماذا فعل السلطان بايزيد ؟
فرض السلطان بايزيد الأول عدة شروط على "مانويل" إمبراطور بيزتطة وتلك الشروط هى :
1- إنشاء محكمة إسلامية وتعيين قضاه مسلمين بها للفصل في شئون الرعية المسلمة بها.
2- بناء مسجد كبير بها والدعاء فيه للخليفة العباسي بمصر ثم السلطان بايزيد وذلك يوم الجمعة.
3- تخصيص 700 منزل داخل المدينة للجالية المسلمة بها.
4- زيادة الجزية المفروضة على الدولة البيزنطية.
5- ترك حامية إسلامية تتكون من 6000 جندى بحى جالاتا بحذاء الشواطىء الشمالية للقرن الذهبى
6- فرض رسوم جديدة على مزارع الكروم والفاكهة خارج أسوار القسطنطينية
ودوّت صيحات الله أكبر فى جنبات القسطنطينية لأول مرة فى عهد الصاعقة بايزيد الأول , ولم ينتهى المشهد بعد , فقد ظل الإمبراطور مانويل معظم السنة الأولى من حكمه فى خدمة السلطان بايزيد وظل فى معسكر السلطان !! , الى أن سمح له بالرجوع الى القسطنطينية , ولكنه حذره قائلاً :
( إذا أردت أن تنفذ أوامرى , إغلق عليك أبواب مدينتك , واحكم داخلها , فكل ماوراء الأسوار ملك لى )
انظروا الى عزة المسلمين وقتها !!!
الأمر الذى أرعب المماك المسيحية فى أوربا والذى أدى الى إعلان البابا بونيفاس التاسع الحرب الصليبية على الدولة العثمانية والسلطان بايزيد ومنح غفرانه لجميع المسيحين الذين سيقاتلون فى تلك الحملة لإنقاذ المجر والممالك المسيحية فى أوروبا .
معركة نيكوبولس 800 هـ :-
اجتمع
لدعو البابا 15 دولة أوروبية و معظم أمراء ودول أوروبا "المجر – النمسا -
إنجلترا – فرنسا – البندقية – أسبانيا – إيطاليا – ألمانيا – رومانيا -
سويسرا – بولنده" , ومنذ قيام الحملة الصليبية الأولى فى بداية القرن
الحادى عشر الميلادى لم تجتمع هذه الأعداد الضخمة , فكانت من أخطر الحملات
الصليبية على الإسلام على الإطلاق .
وكان
قيادة تلك الجيوش لملك المجر "سيجسومند" , وافتخر المسيحين بالقوات
الكثيفة التى تم حشدها حتى تملكهم الغرور حتى ان الملك "سيجسموند" قال فى
علياء " لو سقطت علينا السماء لأمسكناها بحرابنا " , واجتمعت الجيوش فى
"بودا" عاصمة المجر وانعقد مجلس الحرب فى صيف عام 1396 م لرسم الخطط ووضع
التكتيكات الحربية .
وبدأ هجوم الجيوش الصليبية نحو بلغاريا واستعادوا بعض المدن وأبادوا الحامية الإسلامية فيها , الأمر الذى أدى الى ترك السلطان بايزيد
محاصرة القسطنطينية وتوجه نحو أوروبا فى سرعته المعهودة وجمع مائة ألف
مقاتل بالإضافة الى قوات ضخمة أمده بها ملك الصرب رغما عنه حسب الإتفاقية
التى بينهما , وتقابل الفريقين فى منطقة نيكوبولس .
قبل
بداية المعركة اقترح الملك "سجسموند" ان يتخد وضعية الدفاع , لكن خالفه
باقى الأمراء فى الجيش واقترحوا مهاجمة العثمانيين والتوغل فى الأناضول
والتوجه بعدها الى بلاد الشام وبيت المقدس !! .
وبالفعل أثناء مسير القوات الصليبية الضخمة وتقدمهم ظهرت فجأة الجيوش الإسلامية بقيادة "الصاعقة"
كأنها خرجت من باطن الأرض وكان ظهوره كفيلاً بإدخال الرعب والهول في قلوب
الصليبيين وبدأت المعركة التى تعد من أشرس معارك التاريخ , وقاتل المسلمون
يومها قتال من لا يخشى الموت ,
وأنزل
الله على المسلمين الرحمة والسكينة وأيدهم بجند من عنده , فقذف فى قلوب
الذين كفروا الرعب , وانتهت المعركة بنصر مبين للمسلمين ذكرهم بأيام
المسلمين الأولى بدر واليرموك .
وعلى الرغم من القضاء على القوات الصليبية إلا أن السلطان بايزيد انزعج لكثرة قتلى المسلمين فى المعركة التى قدرت بثلاثين ألف 30.000 قتيل !!! , وتذكر السلطان بايزيد مافعله الصليبيون بالحاميات الإسلامية فى بلغاريا والمجر , فأمر السلطان بايزيد بقتل الأسرى كلهم 3000 أسير وفى رواية أخرى 10.000 عشرة آلاف, ولم يبق إلا أكابر وعلية القوم للحصول على فدية ضخمة منهم .
موقف من مواقف العزة :-
وممن
وقع فى الأسر "الكونت دى نيفر" بنفسه أحد أكبر الأمراء فى الجيش الصليبى ,
الذى أقسم بأغلظ الأيمان ألا يعود لمحاربة المسلمين وكاد أن يقبل قدم
السلطان , لكن كان الرد السلطان بايزيد الأول المعتز بدينه , أن قال له :
(إنى أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين فأنت فى حل من الرجوع الى محاربتى وقت ما شئت ) ثم استطرد قائلاً كلمته الشهيرة التى خلدها له التاريخ وكتبها من حروف من ذهب :
( إذ انه ما من شيىء أحب الىّ من محاربة جميع مسيحى أوروبا والإنتصار عليهم )
نزل الخبر على مسيحى أوروبا مثل الصاعقة , وانتظر المسيحيون سقوط الممالك المسيحية واحدة تلو الأخرى فى قبضة السلطان بايزيد
.وعلى
النقيض أرسل السلطان بايزيد الرسائل الى ملوك وسلاطين المسلمين فى القاهرة
وبغداد وبلاد ماوراء النهر ومعها بعض الأسرى كدليل مادى على النصر المبين ,
وخلع عليه الخليفة فى القاهرة أبو عبد الله محمد بن المعتضد المتوكل على
الله لقب "سلطان الروم" فأضاف بذلك شرعية جهاده ضد المسيحين فى أوروبا , وأهدى أمير بخارى سيفا للسلطان بايزيد فى سبيل الهدية والتكريم ,
وعلقت
الزينة فى البلاد الإسلامية فرحا بذلك النصر المبين واتجهت أنظار المسلمين
الى تلك الدولة التى أيد الله جهادها بالنصر على أعدائها وارتحل كثير من
شباب المسلمين الى الأناضول ليكونوا تحت إمرة السلطان بايزيد فى جهاده ضد الروم مسيحى أوروبا .
وتعتبر معركة نيكوبولس بالنسبة للمسيحين أعظم كارثة على الإطلاق فى العصور الوسطى , وبلغ السلطان بايزيد قمة مجده بعد تلك المعركة . وفى نشوة الفرح والإنتصار أعلن السلطان " أنه سيفتح إيطاليا بإذن الله وسيطعم حصانه الشعير على مذبح كنيسة القديس بطرس فى روما " !!
أى رجل كان !!! , ولكن الله قدر شيئا آخر .
كارثة تيمورلنك :-
ظهرت
أثناء تلك الفترة قوة بشرية ضخمة يقودها رجل من أقسى الناس قلبا وأخبسهم
عملاً , هو تيمورلنك الرافضى الخبيث الذى كان يدعى الإسلام ويظهر حبه
الشديد لآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم , استطاع هذا الرجل أن يؤسس
إمبراطورية ضخمة مترامية الأطراف فضم بلاد ماوراء النهر وبلاد الشام والهند
وموسكو وأسيا الصغرى !!
وكان يؤمن أنه طالما يوجد فى السماء اله واحد فيجب أن يوجد فى الأرض ملك واحد , فكان يحلم بالسيطرة على العالم !!
واستباح
تيمورلنك بعض البلاد مثل حلب وبغداد وغيرها , فعمل فيها التخريب والقتل
وكان يأخذ الصناع والحرفيين الى عاصمته "سمرقند" , ولم يستطع أحد أن يقوم
فى وجه هذا الطاغية لعظمة جيوشه وأعدادها الضخمة التى لا نبالغ إذا قلنا
أنها قاربت الى اكثر من مليون جندى !!
وكان
هذا الطاغية لربما يصنع أهرام من جماجم ضحاياه وعظامهم , فكان من أشد
الناس ظلما وقهرا . وكان قبحه الله يصبغ حملاته تلك بصبغة دينية لتسهيل
فتوحاته .
مافرح ملوك أوروبا بشىء مثل فرحهم بظهور تيمورلنك الذى وجدوا فيه خلاصهم الوحيد من السلطان بايزيد الأول .
ارتحل كثير من أمراء الأناضول الذين طردهم السلطان بايزيد الأول الى خدمة تيمورلنك واحتموا به , وبلغ ذلك إمبراطور بيزنطة وأمراء أوروبا فأرسلوا الى تيمورلنك يستنجدون به من السلطان بايزيد الأول وأوقدوا العداوة بينهما ,
وبالفعل طمع تيمورلنك فى أملاك الدولة العثمانية وبدأ بالهجوم على أطرافها فى آسيا الصغرى , وانضم اليه الأمراء الفارين من بايزيد الأول .
الأمر الذى أزعج السلطان بايزيد جدا فصمم على ملاقاة هذا الطاغية وقتله وخصوصا بعد رسالة تيمورلنك الى السلطان بايزيد
حيث أهانه ضمنيا حين ذكره بغموض أصل أسرته واستصغار شأنه ولكنه ختم
الرسالة بأن عرض عليه العفو على إعتبار الخدمات الجليلة التى قام بها آل
عثمان لخدمة الإسلام !!
فصمم السلطان بايزيد على محاربة الطاغية تيمورلنك , ثم بعد ذلك يتفرغ الى فتح القسطنطينية الذى كان وشيكا جدا .
معركة أنقرة 1402م :-
فى عام 1400 م احتل تيمورلنك سيواس فى الأناضول وأباد حاميتها هناك التى كان يقوها أرطغرل بن السلطان بايزيد ولم يكتفى بذلك بل أخذ الفرسان وأحنى رؤسهم بين أرجلهم وألقاهم فى خنادق واسعة وردمهم بالتراب !!
انزعج السلطان بايزيد
جدا واستصوب رفع الحصار عن القسطنطينية وملاقاة هذا الطاغية . فاجتمع
الجيشان فى سهل أنقرة عام 1402م- 19 ذى الحجة 804هـ - وكان جيش السلطان بايزيد حوالى 120.000 مقاتل وكان من قواد الجيش 5 من أولاد السلطان بايزيد
هم ( محمد , مصطفى , سليمان , عيسى , موسى ) , وكانت قوات تيمورلنك كثيرة
جدا حتى أن بعض الروايات تذكر أنها وصلت الى 800.000 مقاتل !!
هذا بالإضافة الى وجود آلاف من التتر فى جيش بايزيد الأول وكان قد أرسل لهم تيمورلنك سرا كتابا يخبرهم بأن ينضموا اليه ويتركوا السلطان بايزيد وأخبرهم "نحن جنس واحد، وهؤلاء تركمان ندفعهم من بيننا،ويكون لكم الروم عوضهم" فأجابوه وواعدوه أنهم عند اللقاء يكونون معه !!
عندما التقى الجيشين دخل الرعب الى قلوب جنود السلطان بايزيد
من هول ما رأوه من عدد جنود تيمورلنك بالإضافة الى ما سمعوه عن معاملته
الوحشية لأسرى الحرب ومما زاد بلائهم أن الجنود التتر الموجودين فى صفوفهم
انضموا لصفوف تيمورلنك وكانوا 50.000 خمسين ألفا !!
فكان
مصير المعركة محدد سابقا , وبدأت معركة شرسة ضارية تشبه فى شدتها وضراوتها
حروب هذا العصر لكن بإختلاف نوع الأسلحة المستخدمة !! , فانهزم جيش بايزيد الأول وبدأ الجنود فى الإنسحاب ,
أما بايزيد الأول
لم ييأس وهو الذى تعود على النصر وهو الذى عُرف بالشجاعة والإقدام , فأخذ
مجموعة من الفرسان من خواص رجاله وصعدوا على ربوة عالية ليكونوا فى موقع
جيد للقتال ولكن قدر الله أن يقع السلطان بايزيد فى الأسر !!
نعم , وقع السلطان بايزيد الأول فى الأسر عند تيمورلنك , واختلفت الروايات فى كيفية معاملة تيمورلنك للسلطان المجاهد العظيم بايزيد الأول
, فمنهم من قال أنه اهانه ووضعه فى قفص وأخذ يطوف به البلاد , ومنهم من
يقول أنه أكرمه وعظم شأنه , ولا ندرى حقيقة كيف عُومل السلطان المجاهد
الصاعقة بايزيد الأول ,
لكن مع ما ثبت فى كتب التاريخ ما فعله تيمورلنك عند وفاة السلطان بايزيد الأول يدل لنا على أن تيمورلنك أحسن معاملة السلطان بايزيد فى أسره .
بعد أسر السلطان بايزيد استباح تيمورلنك أملاك الدولة العثمانية لجنوده فخربوها وهدموا أكثر منشآتها !!